مجهول الهويه عضو فعال
عدد الرسائل : 355 تاريخ التسجيل : 12/11/2007
| موضوع: الخلفية التاريخية للحرب 2007-11-15, 6:46 pm | |
| تواصلت الحرب، ما بين نهاية الجولة الثالثة (هزيمة يونيه 1967) وبداية الجولة الرابعة (نصر أكتوبر 1973)، وعُرِفَتْ بحرب الإستنزاف، والتي اتخذت أشكالاً عديدة. بداية من الوضع الذي إنتهت إليه قوات الطرفين، العرب في مصر وسوريه والأردن، وإسرائيل، وحتى الأوضاع التي بدأت بها حرب أكتوبر 1973، وشتان بين الوضعين، عسكرياً، وسياسياً، واجتماعياً. أما الوضع الاقتصادي، فكان مازال في صورته الصعبة. كان المجال السياسي الأسرع في الحركة، لاستعادة الحد الأدنى من الاتزان، وتهيئة المناخ المناسب لباقي المجالات لإستعادة توازنها تدريجياً. لم يكن في الوطن العربي من يدري لماذا؟ وكيف؟. أما لماذا، فكانت عن الماضي، لماذا وقعت الكارثة، والتي خففت فسميت "بالنكسة"، وكان من الممكن تأجيل البحث عن لماذا كانت الكارثة حتى وقت آخر، فقد وقعت وإنتهى الأمر. أمّا كيف، فكانت أكثر إلحاحاً، كيف يمكن الصمود في ظل هذا الظلام القائم، وكيف تجنب تداعيات أخرى أكثر حدة؟. أجابت السياسة عن ذلك أولاً في مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، الذي عقد في 29 أغسطس 1967، بمشاركة رؤساء إحدى عشر دولة عربية، هم دول المواجهة الأربع (مصر والأردن وسوريا وهي الدول التي هزمت في الحرب، فضلاً عن لبنان الذي لم يشارك في الحرب)، ودول العمق الخمس (العراق والكويت والمملكة العربية السعودية والسودان وليبيا، وتسمى أحياناً دول الطوق)، وثلاث دول من المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب). كانت قرارات مؤتمر قمة الخرطوم، تمثل أصداء الوطن العربي لرفض النكسة والهزيمة، وتعبر عن الإمكانات العربية وقدراته وآماله. لذلك كانت القرارات ترفض ما نتج عن الهزيمة. قدمت الدول النفطية، المشاركة في المؤتمر، الدعم المالي للدول المنكوبة، تعويضاً عن خسائر الحرب، ودعماً لها لاستعادة قوتها العسكرية، لمواجهة المرحلة القادمة، والتى وضح أنها "جولة عربية رابعة آتية لا ريب". كذلك، فإن المجال العسكري، بدأ في استعادة إتزانه، رويداً، رويداً، ووضح عزم القوات المسلحة على الصمود. فبعد أيام قليلة من وقف القتال (أول يوليه 1967)، تصدت قوة محدودة من الصاعقة، في موقع في ضاحية بور فؤاد، شرق بور سعيد، والتي كانت الموضع الباقي في يد القوات المصرية شرق القناة، لرتل من المدرعات والآليات الإسرائيلية، واشتبكت معه بقوة، وأرغمته على الانسحاب شرقاً، متحملاً خسائر جسيمة. في 14 يوليه من العام نفسه، هاجمت الطائرات المصرية المقاتلة القاذفة، التي نجت من الدمار، المواقع الإسرائيلية في عمق سيناء المحتلة، وواجهت الطائرات الإسرائيلية المتفوقة، وأحدثت المفاجأة ارتباكاً للقيادة الإسرائيلية والطيارين كذلك، وتمكنت الطائرات المصرية من تنفيذ مهامها والعودة. وفي 21 أكتوبر 1967 كذلك، وعقب مؤتمر الخرطوم بأقل من شهرين، تصدي زورقيّ صواريخ سطح / سطح مصرية، لأكبر القطع البحرية الإسرائيلية ـ المدمرة إيلات ـ وأغرقتها في هجوم خاطف، قلب نظريات القتال البحري رأساً على عقب، وغير من الفكر الاستراتيجي لبناء القوات البحرية واستخدامها. كان من الواضح أن القوات المسلحة المصرية، وكذلك السورية، قادرة على الصمود وتخطي المحنة، وكان يعوزها بعض الوقت لتسترد عافيتها وقدراتها القتالية، وسميت هذه المرحلة "بالصمود" مستهلة حرب استنزاف للعدو على الجبهات الثلاث، بدرجات متفاوتة. الأحوال السياسية السائدة المناخ السياسي الدولي استمرت حالة الهدوء، في الحرب الباردة التي سادت العلاقات بين الدولتين العظميين، حتى تولى الرئيس الأمريكي الجديد ريتشارد نيكسون مهام منصبه في 20 يونيه 1969، حيث رأى ضرورة تسوية المنازعات الدولية، واحتواء الصراعات القائمة، وتشجيع الاعتدال وحلول الوسط، ونادى بالدخول في عصر التفاوض، بين الدولتين العظميين، وهو نفس ما رآه القادة السوفيت في هذا الوقت، حيث كانوا يرغبون التفرغ للمشاكل الداخلية، التي بدأت تعصف بالاتحاد السوفيتي، وأصبحت أكثر إلحاحاً، وغير قابلة للتأخير. أدت السياسة الأمريكية الجديدة (عصر التفاوض) والتي وافق عليها السوفيت إلى حالة من الانفراج في العلاقات الدولية، أثرت في نظرة القطبين لمشاكل العالم، بما فيها مشكلة الشرق الأوسط، والتي أضيرت بشدة من جراء تلك السياسة. ففي ظل الحرب الباردة، وسعيّ القطبين العالميين لبسط نفوذهما في العالم، كانت دول العالم تحاول استثمار الموقف لمصلحتها، بما يتيحه موقف الكتلتين من هامش مرونة في العلاقات بينهما، فبعض الدول انحازت تماماً للكتلة الشرقية، والبعض الآخر انضم للكتلة الغربية، وكانت إسرائيل في ذلك الجانب، متمتعة بمساندة أمريكية مطلقة. بعض الدول المستقلة حديثاً، أو تلك التي تبحث لنفسها عن دور في الساحة الدولية، كانت في موقف وسط بين الكتلتين، تحاول استغلال هامش المرونة الضئيل في العلاقات الدولية، للحصول على أفضل المزايا من القطبين، وكانت معظم الدول العربية في هذا الجانب، ومنها مصر وسورية. وقد أضرت سياسة الوفاق الدولي بقضيتهما، حيث اتفقت الدولتان العظميتان، في مؤتمرات التفاوض بينهما (قمة موسكو في 22 مايو 1972، وقمة واشنطن في يونيو 1973) على تجميد الموقف في الشرق الأوسط. وكان بقاء الحال على ما هو عليه، معادلة مستحيلة طرفاها اللاسلم واللاحرب، وهو إن كان يوافق الأغراض الإسرائيلية، فإنه يضر بمصالح الدول العربية التي تحتل إسرائيل أجزاء من أراضيها، فتجميد الأوضاع يعني تكريس الأمر الواقع، ليصبح حقاً مكتسباً بعد حين. أوضح هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي في تلك الآونة، هدف سياسة الوفاق وجوهرها، "بدفع الاتحاد السوفيتي إلى المرونة والاعتدال في التعامل مع مناطق التوتر الإقليمي، وفي مقدمتها الشرق الأوسط وفيتنام"، والذي من شأنه إقناع القادة العرب، خاصة المعتدلين منهم، بعدم قدرة السوفيت على تحقيق تسوية. تضع تلك العلاقات الجديدة في الساحة الدولية، قيوداً على تحركات الدول العربية الساعية لاستعادة أراضيها، والتي تمثلت في إحجام السوفيت على إمدادها بأسلحة هجومية متطورة، أسوة بما تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية. وضح أن سياسة الوفاق بين القطبين العالميين، قد عكست نتائج سلبية متعددة على قضية الشرق الأوسط، فقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية نصيراً علنياً لإسرائيل، ومنحازة انحيازاً كاملاً لها، وضعف دور الأمم المتحدة لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية عليها. من وجهة أخرى فإن الاتحاد السوفيتي أصبح مقيداً كذلك في إستراتيجيته بالمنطقة، إذ أصبحت القضية الشرق أوسطية جزء من إستراتجية الوفاق الدولي، يجب مراجعة الطرفين فيها، قبل اتخاذ أي خطوات جديدة. الموقف السياسي الأوروبي: كانت الدول الأوروبية الغربية، مشغولة في ترتيبات الاتحاد الأوروبي، وإجراءات الوحدة الاقتصادية. ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأكبر لأوربا الغربية، منحازة تماماً لإسرائيل، فإن بعض الدول الأوروبية الغربية أبدت تعاطفاً مع القضية العربية. وأدلى بعض المسؤولين الأوروبيين الغربيين بتصريحات مشجعة عن حقوق العرب، وضرورة انسحاب إسرائيل من سيناء والضفة الغربية للأردن والجولان، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا، اللتان كانتا تؤيدان، إسرائيل سابقاً ولم يتعد موقف الدول الأوروبية الغربية ذلك. أما دول أوروبا الشرقية، فقد كانت تبعيتهم أيديولوجيا للاتحاد السوفيتي قيداً على حركتهم سياسياً. فرغم أن معظم دول أوروبا الشرقية كان يورد أسلحة لكثير من الدول العربية، وعلى رأسها مصر وسورية، إلا أن ذلك كان مرهوناً بموافقة الاتحاد السوفيتي، والذي كان يهيمن على السياسة الأوروبيـة الشرقية، ويوجهها، تبعاً لمصالحه. يعني ذلك أن التعاطف الأوروبي الشرقي مع العرب، لا يقدم كثيراً ولا يؤخر، ويتحرك تبعاً لدرجة الانسجام في العلاقات العربية السوفيتية، والتي أضر بها الوفاق الدولي، فهبطت لأدنى درجاتها، بالتسويف في الوفاء بعقود التسليح للعرب، وتوتر العلاقات مع مصر، بعد طردها للخبراء السوفيت في 8 يوليه 1972. الموقف الأفريقي من قضية الشرق الأوسط: كان لإسرائيل علاقات تجارية قوية مع دول الوسط والجنوب الأفريقي، وكانت تدير وتشرف على العديد من المشروعات الزراعية بدول المنطقتين كذلك، ولم تكن الدول الأفريقية (غير العربية) تهتم بالانحياز لأي طرف، سوى الذي لديها مصالح مشتركة معه. في الوقت نفسه، كانت الدول العربية ضعيفة الوجود في أفريقيا، واحتاج الأمر إلى مجهود سياسي ضخم لإقناع الدول الأفريقية بعدالة القضية العربية مع إسرائيل، والعمل على إبراز ذلك التحول في العلاقات، إلى خطوات عملية، كان أولها قرارات مؤتمر القمة الأفريقي في يونيه 1971، بتشكيل لجنة من عشر رؤساء أفارقة للسعي لتطبيق قرارات مجلس الأمن، خاصة القرار الرقم 242، والذي يطلب انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في الحرب عام 1967. انبثق من لجنة العشرة، لجنة الأربعة، وحددت لها مهمة الإتصال بأطراف القضية، على مرحلتين، الأولى تقصي الحقائق والإلمام بجوانب القضية، والثانية تقديم مقترحات محددة لحل الأزمة. قامت لجنة الأربعة بجولتين خلال نوفمبر 1971، وقدمت في الجولة الثانية مقترحاتها لكل من مصر وإسرائيل للرد عليها، ثم رفعت تقريرها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة، بنتائج مهمتها في 3 ديسمبر 1971. وتضمن التقرير رد مصر على نقاط المقترحات. وجه وزير خارجية السنغال، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1971، نداء إلى إسرائيل، أن تحدد الأسلوب الذي تراه لاستئناف المباحثات، وأن تعلن عدم نيتها ضم الأراضي العربية التي احتلتها بالقوة. وقد امتنعت إسرائيل عن الرد على أي من مقترحات اللجنة الأفريقية، أو نداء الوزير السنغالي. وأوضح ذلك النوايا الإسرائيلية، للاستفادة من نتائج حربها عام 1967، بالتوسع على حساب الدول العربية المجاورة، وهو ما ساعد على تحول الدول الأفريقية إلى الجانب العربي، والذي بلغ مداه في مؤتمر القمة الأفريقي، عام 1973، عندما استجابت الدول الأفريقية لطلب مصر، وقطعت كلها علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، عدا دولة جنوب أفريقيا (وكانت تحت الحكم العنصري في ذلك الوقت)، وإقليمي ناميبيا وشرق روديسيا (دولتي ناميبيا وزمبابوي فيما بعد)، وكانا تحت الوصايا الدولية، بإشراف دولة جنوب أفريقيا عليهما. الموقف العربي السياسي: عقب حرب يونيه 1967، عقد الملوك والرؤساء العرب مؤتمر قمة في الخرطوم (29 أغسطس 1967)، والذي مهد له مؤتمر جزئي لملوك ورؤساء ستة دول عربية في القاهرة (11 ـ 16 يوليه 1967). اتخذت قرارات هامة في مؤتمر الخرطوم، كان لها تأثير مباشر على قدرة دول المواجهة الثلاث على تخطي الهزيمة والصمود، حيث كفلت المملكة العربية السعودية والكويت وليبيا الدعم المالي للدول الثلاث، بما يعوضها عما فقدته من موارد نتيجة للاحتلال إسرائيلي، ويمكنها من إعادة بناء قواتها المسلحة واستعواض خسائرها في الأسلحة والمعدات. وبالإضافة للدعم المالي، اتخذت الملوك والرؤساء العرب قراراً بأربعة مبادئ، يلتزم بها القادة العرب وهي: لا سلام مع إسرائيل. لا إعتراف بإسرائيل. لا مفاوضات مع إسرائيل. لا تنازلات عن حقوق الشعب الفلسطيني. كان أهم نتائج مؤتمر الخرطوم، هو المصالحة العربية، ووضوح إمكانية التعاون العربي / العربي، ولو إلى حين. شهدت الفترة من بعد حرب يونيه 1967 وقبل حرب أكتوبر 1973 عدة تغيرات في نظم الحكم العربية، بعضها كان له آثار سلبية على العلاقات العربية العربية، وانعكس ذلك على القدرات العربية السياسية في وقت حرج. ففي 5 نوفمبر 1967 أطاح إنقلاب برئيس الثورة اليمنية "عبدالله السلال" وَعَدّ الحكم الجديد، السياسة المصرية المحايدة، معادية للنظام الجديد (كانت مصر قد عقدت اتفاق مع المملكة العربية السعودية، في إطار المصالحة العربية في مؤتمر الخرطوم بعدم التدخل في شؤون اليمن)، واستولى إنقلاب بعثي بقيادة أحمد حسن البكر، في 17 يوليه 1968، على الحكم في العراق، منهياً حكم عبدالرحمن عارف. وأدت ممارسات النظام الجديد الدموية إلى فتور في العلاقات مع معظم الدول العربية، وخلاف حاد مع البعث السوري الحاكم، والذي استطاع الوصول إلى الحكم، إثر الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد، الذي كان قائداً للقوات الجوية السورية ثم وزيراً للدفاع. وكان لهذا التغيير في نظام الحكم السوري أثر إيجابي، بإبعاد القيادة السابقة (نور الدين الأتاسي ـ صلاح جديد ـ يوسف زعين) عن السلطة، وهم المسؤولون عن أحداث حرب يونيه 1967، مع عدم استعدادهم لتصحيح سياساتهم الخاطئة. تغيرت نظم الحكم كذلك في السودان (مايو 1969) وليبيا (أول سبتمبر 1969)، وكان لهذه التغيرات آثار إيجابية، إذ أيد قادة الثورتين دول الموجهة مع إسرائيل. كان أكثر التغيرات تأثيراً، هو الصراع بين الأردن والفلسطينيين المقيمين في الضفة الشرقية لنهر الأردن، في سبتمبر 1970، والذي بلغ ذروته بالتصعيد إلى حدَّ الاشتباك المسلح بين الجيش الأردني، والقوات الفلسطينية وانتهى بخروج الفلسطينيون من الأردن مما كان له أثره فيما بعد في عدم اشتراك قوات منظمة حركة تحرير فلسطين في أعمال قتال رئيسية بعد ذلك، لابتعادها عن خطوط المواجهة (عدا جنوب لبنان). | |
|