يتطرق كتاب «شتات اليهود المصريين» لجوئل بينين الأستاذ في الجامعة الاميركية في القاهرة، الى قضية معقدة ودقيقة، هي تاريخ اليهود المصريين في فترة مهمة ومحورية، هي الفترة التي تفصل الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى عن الثانية، أي في مرحلة ما بين عامي 1948 و1956. فتلك الفترة، بحسب التقديم الذي يتصدر الترجمة العربية للكتاب التي صدرت أخيراً عن دار «الشروق» في القاهرة، شهدت اندثار الوجود اليهودي المصري واختفاءه تماماً. وفي تعرضه لهذه القضية الشائكة يدرك جوئل بينين وهو باحث يهودي اميركي عاش فترة في إسرائيل، تعقد الأمور وحجم المسائل التي يتناولها. فدراسة هذا الموضوع المتشعب، بحسب التقديم الذي كتبه خالد فهمي، تستلزم الوقوف على تفاصيل التاريخ المصري في تلك الفترة الحساسة، ليس فقط من جانبه السياسي، ولكن أيضاً من جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، كما يستلزم معرفة دقيقة بتاريخ اسرائيل والصهيونية، وبتاريخ التنظيمات الشيوعية المختلفة التي كان لليهود المصريين دور كبير فيها، وبتاريخ الشركات والمؤسسات الاقتصادية الكثيرة التي اشترك اليهود المصريون في ملكيتها او إدارتها.
جزء كبير من هذا الكتاب الذي قام بترجمته الى العربية محمد شكر، مخصص بحسب المؤلف لتوضيح أن الكثير مما كتب عن اليهود المصريين وقدم وكأنه «حقائق موضوعية» في إسرائيل ومصر، وكذلك في أماكن أخرى، تنقصه المعلومات الصحيحة، بل ويتسم بالتحيز او ببساطة بأنه دعائي. ويقول بينين الذي يشغل راهناً منصب مدير «مركز دراسات الشرق الأوسط» في الجامعة الاميركية في القاهرة: «وفي شكل متناقض، أدعي أن هذا الكتاب مبني على أدلة سليمة ودراسة حقيقية، ومن ثم، فإنني أطلب من القارئ أن يقوّم الكتاب على هذا الاساس».
عنوان الكتاب، الذي يتألف من 506 صفحات، يعكس، كما يقول المؤلف، الصور البلاغية التقليدية المرتبطة بالصهيونية، «وذلك كي يوحي بأن مصر يمكن اعتبارها مركزاً للحياة اليهودية نشأ عنه شتات، لكنني لا أسعى الى اكتشاف أو تخليد هوية مصرية أصيلة. إن يهود مصر كانوا دائماً وبالفعل طائفة متعددة العناصر ذات خليط عالمي. هذا الأمر كان يشكل نقطة قوة بالنسبة الى الطائفة، كما كان بالمثل أحد العناصر التي أدت إلى زوالها النهائي».
يضم الكتاب، الذي يؤكد مؤلفه ان تعداد يهود مصر في العام 1948 تراوح بين 70 و80 ألف نسمة، ثلاثة أبواب تؤكد، بحسب جوئل بينين، طريقة مختلفة للتحليل والعرض، يتكون الباب الأول، الذي يحمل عنوان «أساليب الخطاب والجوانب المادية للهوية»، من أربعة فصول أولها عبارة عن مقدمة. يتناول هذا الباب التاريخ الثقافي والسياسي والاجتماعي، ويعتمد الباب الثاني على بحث وصفي انساني وتاريخ شفاهي، علماً أن عنوانه هو: «بلاد الشتات وإعادة تشكيل الهوية»، ويضم ثلاثة فصول.
أما الباب الثالث فيؤكد التاريخ الثقافي والاجتماعي والتحليل الأدبي، وعنوانه: «السلام المصري - الإسرائيلي ومراحل التاريخ المصري اليهودي»، ويضم فصلين، الأول عنوانه «استعادة الهوية المصرية اليهودية»، والثاني «معارضة كامب ديفيد وتذكر يهود مصر». وإضافة الى ذلك تنتشر أجزاء من سير ذاتية في مختلف أنحاء النص كلما كانت ذات صلة بموضوعاته المتعددة.
ويتضمن الكتاب ثلاثة ملاحق، الأول عبارة عن نص مقابلة أجراه المؤلف مع جاك حسون الذي طرد من مصر العام 1954 لانضمامه الى منظمة شيوعية مصرية محظورة هي «حدتو»، والثاني عبارة عن قائمة بالاختصارات المستخدمة في الحواشي. أما الملحق الثالث فيضم صوراً نادرة لعدد من رموز الطائفة اليهودية في مصر، ومنهم يوسف قطاوي باشا (1861-1942) الذي شغل منصب وزير في حكومتين متتاليتين في مصر خلال عشرينات القرن الماضي. ويضم هذا الملحق كذلك صوراً من صحف كان يصدرها يهود في مصر منها صحيفة «أبو نضارة» التي أسسها في العام 1877 يعقوب صنوع.
والمؤلف الذي يؤكد اعتناقه أفكاراً مضادة للصهيونية كان طوال ثلاثة وعشرين عاماً أستاذاً لتاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد، وتتركز أبحاثه وكتاباته حول مصر الحديثة والمعاصرة وفلسطين والصراع العربي - الإسرائيلي، والإسلام السياسي، وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. أما المترجم، محمد شكر، فهو استاذ مساعد في معهد الشرطة في أكاديمية سعد العبد الله للعلوم الأمنية في دولة الكويت.